لا مكان للخونة في هذا الوطن
كان لقائي بالشيخ زايد رائعاً.. كان يأتي إلى متجرنا مرة كل شهر.. لم تكن هناك مبانٍ كبيرة غير القصر ومتجرنا.. كان يأتي إلى متجرنا..
وكنا نقدم له كرسياً جميلاً.. كان مغرماً بجهاز اسمه «فيو ماستر».. يوضع في الجهاز قرص دائري صغير.. يتم تدوير القرص فتظهر صورٌ مختلفة.. كان يقول: أرني صوراً.. وكنت أعرض له صوراً من أمريكا وسويسرا وغيرهما.. كان يقول: سيحدث هذا في الإمارات بإذن الله.. قال هذا وهو يشاهد أبراج أمريكا.
(حسناً يا شيخ.. إنني أثق بك.. لكنني شخصياً لا أعتقد ذلك) هذا ما كنت أقوله، لكن هذا كله حدث خلال ستين عاماً فقط! لا أستطيع أن أصدق أنني أرى كل هذه المباني قائمة أمام عيني. هذا هو ما قاله الشيخ زايد إنه سيحدث.
أنقل هذا الحديث بتصرف عما قاله رجل الأعمال «موهان جاشنمال» صاحب متاجر «جاشنمال» المعروفة في دولة الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج العربي، وهو يتحدث إلى أحد برامج البودكاست بلغة إنجليزية كان يخلطها ببعض الكلمات العربية التي تعلمها خلال إقامته الطويلة في الإمارات.
وذلك في سياق روايته قصة مجيئه وعائلته إلى إمارة أبوظبي في بداية الستينيات من القرن الماضي، وهي قصة تستحق أن تُروى، لأنها تسجل كيف استقطبت أرض الإمارات التجار الذين أتوها، في زمنٍ لم تكن فيه أرض الإمارات تغري أحداً بالقدوم إليها، خلافاً لغيرها من بلدان المنطقة التي ظهر فيها النفط وبدأت تشق طريقها نحو البناء والتعمير، وتأسيس البنية التحتية.
في «البودكاست» تفاصيل تروي قصة تأسيس متجر «جاشنمال» في مدينة «البصرة» العراقية قبل أكثر من مئة عام، وكيف قررت أسرة جاشنمال القدوم إلى جزيرة «داس» في أوائل الستينيات من القرن الماضي لتفتح فرعاً لمتجرها في تلك الجزيرة النفطية، قبل أن تنتقل إلى العاصمة أبوظبي بطلب من الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، عليه رحمة الله، الذي كان حاكماً للإمارة وقتها، وهي تفاصيل تستحق أن تروى لأن فيها دروساً مفيدةً لهذا الجيل والأجيال القادمة.
ذكّرني حديث «موهان جاشنمال» بما نقله الصحافي الهندي «كرانجيا» عام 1970 عن الشيخ زايد، عليه رحمة الله، عندما كان حاكماً لمدينة العين.
وما قاله لصديقه الضابط الإنجليزي الكبير وقتها، من أنه يحلم ببناء دولة عصرية حديثة، وحدد له مكان المركز الزراعي الكبير الذي سيقيمه، والمنطقة الصناعية، ومحطة توليد الكهرباء الكبيرة، والميناء، والمطار، والجامعة، والمستشفى، وقوة الدفاع، وكيف أن الضابط الإنجليزي ضحك وقال له:
«دعك من أحلام اليقظة». ثم مرت الأيام، ونسي الشيخ زايد القصة، وجاء الضابط الإنجليزي ليزوره بعد أكثر من عشرين عاماً، وكيف أصيب بالدهشة عندما رأى كل شيء تحدث عنه الشيخ زايد بني في المكان الذي حدده، ولم تكن تلك أحلام يقظة.
الحلم حق مشروع لأي إنسان، لكن أحلام الناس العاديين كثيراً ما يصعب تحقيقها، أما القادة العظام فيحققون أحلامهم، وهذا ما فعله الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بشهادة الذين استمعوا لتلك الأحلام، قبل أن يصبح حاكماً لإمارة أبوظبي، وكانوا شهوداً على تحقيقها بعد أن تولى مقاليد الحكم في مثل هذا اليوم، السادس من أغسطس عام 1966م.
هذا البلد المتطور الذي حلم به الشيخ زايد، عليه رحمة الله، قبل أكثر من ستة عقود، يستحق منا أن نعمل على حمايته من أعداء الداخل والخارج الذين يتآمرون عليه بخسة، ولا يستحقون أن يحملوا اسمه.
هؤلاء المتآمرون في كل القوانين والأعراف هم خونة، لا يستحقون شرف الانتماء إلى هذا الوطن لأنهم يسعون إلى هدم ما حلم به الشيخ زايد، عليه رحمة الله، وحققه، ويعملون على زعزعة أمن هذا البلد المستقر الذي تفد إليه شعوب الأرض لتنعم بالعيش في ظل أمنه واستقراره.
حين نستمع إلى شهادات الذين عاصروا الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وجالسوه وسمعوا منه، نعرف كم كانت أحلام هذا القائد المؤسس عظيمة، وكيف عمل على تحقيقها، وندرك حجم المسؤولية التي تقع على عاتقنا، نحن أبناء زايد وأحفاده، للمحافظة على منجزات الوطن من الخونة، وعدم السماح للمتآمرين عليه بزعزعة أمنه، والتشكيك في مكتسباته، وبث الفتنة بين أبنائه، والإساءة إليه بأي شكل من الأشكال.