ثقافة وفنون

“الحريفة 2: الريمونتادا”.. فيلم يعبر عن الجيل “زد” ولا عزاء للنجوم القدامى

بدأ فيلم “الحريفة” رحلته السينمائية في مطلع 2024، ليصدر مع أفلام مصرية تتنافس في موسم إجازة نصف العام السنوية، على رأسها “أبو نسب” بطولة محمد إمام، و”الإسكندراني” بطولة أحمد العوضي، و”شماريخ” من إخراج عمرو سلامة وبطولة أمينة خليل وآسر ياسين، ويخاطب كل فيلم منهم فئة مختلفة من الجماهير، ليأتي الحريفة ويغير موازين القوى ويفوز بقلوب وأموال المتفرجين.

صدر الفيلم بالأسبوع الثاني من العام، ليحتل المركز الثالث، ثم بداية من الأسبوع الثالث من العام (أي الثاني من عرضه) احتل المرتبة الأولى متفوقا على الأفلام الثلاثة المذكورة، بالإضافة إلى “الرحلة 404” بطولة منى زكي، وعدد من الأفلام الأجنبية، وظل معتليا القمة حتى الأسبوع العاشر من العام، عندما صدر “كثيب: الجزء الثاني” (Dune: Part Two) ليصبح الفيلم إحدى الظواهر في عام 2024 بالسينما المصرية، خصوصا بعدما تم إنتاج وعرض الجزء الثاني منه “الحريفة 2: الريمونتادا” خلال العام نفسه.

قصة مكررة تم قلبها لتجربة طازجة

ما يجعل تجربة فيلم “الحريفة” مثيرة للاهتمام والتعجب أيضا كون العاملين فيه سواء أمام الشاشة من ممثلين، أو خلفها من إخراج وتأليف لا ينتمون للصف الأول، أو الأسماء المعتادة والمتكررة في السنوات الأخيرة، فالجزء الأول من إخراج  رؤوف السيد في أول أفلامه الطويلة وبطولة مجموعة من الممثلين بعضهم قادم من مساحات إعلامية مختلفة، مثل محمد عبد الرحمن القادم من مواقع التواصل الاجتماعي، وكزبرة من عالم الغناء، ويُعتبر أشهرهم نور النبوي الذي قدم في السنوات الأخيرة عدة مسلسلات تلفزيونية مع والده خالد النبوي فعرفه المتفرجون إلى حد ما، بالإضافة إلى الممثل الشاب أحمد غزي الذي شارك في السنوات الأخيرة في عدة أعمال مصرية وعالمية منها مسلسل “دواعي السفر” و”التاج” (The Crown).

إذا السؤال الصحيح الآن هو كيف نجح هؤلاء القادمون الجدد في منافسة نجوم احتلوا قائمة الأعلى إيرادا لسنوات؟

قدم فيلم الحريفة قصة بسيطة للغاية، فيبدأ بماجد (نور النبوي) الشاب الثري الذي يتدرب على كرة القدم في نادٍ راقٍ، ويعيش في قصر مع عائلته، ثم يهتز عالمه عندما يفقد والده شركته، فينتقل مع الأسرة إلى بيت الجدة، ويتحول من المدرسة الدولية إلى أخرى حكومية.

إلى هذه النقطة لا يقدم فيلم “الحريفة” أي جديد مقارنة بما شاهدناه في كثير من الأعمال الأخرى حول الشاب/المراهق الغني الذي يُصدم عندما يُقابل لأول مرة أشخاصا من طبقات أخرى، من أحدثها مسلسل “مفترق طرق” ومن أشهرها فيلم “لا مؤاخذة”، غير أن صناع الحريفة أخذوا هذه الثيمة المكررة وقلبوها بشكل مبتكر.

وتتغير هذه السردية المعادة عندما يستخدم ماجد أفضل مهاراته، أي كرة القدم، للاندماج مع عالمه الجديد، فيكتشف أن موهبته الكروية هي الباب للتعرف على أصدقاء جدد قد يكونون من غير طبقته إنما سيكونون أقرب له من الإخوة.

ويكون ماجد مع أصدقائه الجدد فريق كرة قدم، ليشاركوا في بطولة الحريفة على مستوى مدارس الجمهورية، ويحصلون على مكافأتها التي تبلغ مليون جنيه، في حين يبدأ الجزء الثاني بالحريفة بعدما قرروا تحويل رأس مالهم لمشروع يتمحور حول كرة القدم، غير أن فرصة ذهبية تأتيهم عندما يحصلون على منحة لجامعة أجنبية تنتمي لعالم ماجد القديم البعيد كل البعد عن عالم الأصدقاء حتة (كزبرة) وششتاوي (أحمد غزي) وسلهوب (سليم الترك)، فيقومون برحلة عكسية لما مر بها ماجد في الجزء الأول، عندما عثر على نفسه الحقيقية، فاستطاع الاندماج مع مجتمعه الجديد، بينما يفقدون أنفسهم، حتى يندمجوا مع هذا المجتمع.

صوت الجيل زد

نافس وتفوق الجزء الأول وكذلك الجزء الثاني من فيلم “الحريفة” بسبب تقديمه تجربة طازجة ومغايرة للسائد في سوق السينما المصرية التجارية بالسنوات الأخيرة، عندما تكررت وجوه الممثلين وحبكات الأفلام بشكل مثير للملل، فينتهي فيلم لهذا الممثل في موسم عيد الفطر، لنجده مرة أخرى بعد 3 أشهر في موسم إجازة نصف العام، ويحل محله ممثل آخر بموسم عيد الأضحى، ولا تخرج القصص عن إطار الأكشن والكوميديا إلا فيما ندر.

ويقدم فيلم “الحريفة” بجزئيه قصة بسيطة حول مجموعة من الشباب الذين ينتمون إلى الجيل “زد” أي أبناء الألفية الثالثة، وهو الرهان الناجح للغاية في ظل حقيقة بسيطة تتمثل في أن نسبة هائلة من رواد السينما هم أبناء هذا الجيل، ليفاجئ المتفرجين بأنهم يشاهدون فيلما أبطاله يقاربونهم في العمر، مع قصة تشبههم، تداعب أحد أحلامهم، فمن الطبيعي أن يتماهوا معها ويشجعون الآخرين على مشاهدتها، مما مثل أفضل دعاية للفيلم.

بينما يركز الفيلم على اثنين من أهم عوامل الثقافة الشعبية، وهما كرة القدم والموسيقى، بتقديمه قصص لاعبين غير محترفين يهرعون وراء حلمهم وشغفهم، وتصويره عددا من مباريات كرة القدم بشكل سينمائي مميز بالفعل، بينما امتزجت في الفيلم موسيقى الراب والمهرجانات الشعبية لتصنع للفيلم بصمة سمعية لا يمكن إغفالها.

لم يستسلم الفيلم كذلك لتصورات نمطية عن الطبقات الاجتماعية، فليس كل الأغنياء أشرارا أنانيين، أو كل الفقراء وقحين يستخدمون الشتائم والأسلحة البيضاء كوسيلة للتواصل، فقد أظهر صناع الفيلم تفهمهم الكامل للفروقات الطبقية، وتحدثت كل شخصية باللغة المناسبة لخلفيتها الاجتماعية والثقافية، وجمعت بينهم كرة القدم بشكل ذكي، كما يحدث في الحياة الواقعية، عندما يشجع الغني والفقير نفس الفرقة الرياضية بذات الحماسة.

لم يقع الجزء الثاني من “الحريفة” كذلك في فخ استغلال الحبكة نفسها من الجزء الأول مع بضعة تغييرات، وهي أزمة الكثير من الأجزاء الثانية والثالثة من السلاسل السينمائية، والتي يمكن ملاحظتها بسهولة في أفلام “ولاد رزق” حيث كل فيلم نسخة من السابقة مع جعل عملية السرقة أكبر.

استثمر صناع “الحريفة 2: الريمونتادا” نجاح الجزء الأول بالتأكيد، بتقديمهم الجزء الثاني في نفس عام الجزء الأول، إنما قلبوا حبكة الفيلم الأول رأسا على عقب، فبينما الجزء الأول هو رحلة هبوط طبقي لشخصية ماجد، يتركز الجزء الثاني عن رحلة صعود لباقي الشخصيات، ليصبح السؤال الذي يبحث عن إجابة، هل سيحافظ هؤلاء الشباب على أصالتهم وشغفهم بكرة القدم والصداقة، أم يفقدون كل ذلك خلال سعيهم للاندماج؟

قدم “الحريفة 2: الريمونتادا” تجربة سينمائية مسلية ومختلفة، وإن غلب عليه الطابع التجاري أكثر من الجزء الأول، خصوصا الإعلان بشكل متكرر داخل الفيلم لأحد النوادي الرياضية التي لا يشترك فيها إلا أبناء الطبقة العليا، ليحافظ الأبطال على أصالتهم، بينما يفقدها صناع الفيلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى