العالم

الرأسمالية والانتخابات الأمريكية.. من جي بي مورغان إلى إيلون ماسك

لطالما شاركت الرأسمالية الأمريكية بقوة في رسم معالم الخريطة الرئاسية والتشريعية في الولايات المتحدة على مدى قرنين ونصف القرن منذ الاستقلال عام 1776، ولا تزال القوى المالية الكبرى تؤثر على مسار تداول السلطة في الديمقراطية الأمريكية من أكبر تدخل لها بشكل مباشر لصالح مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة في انتخابات 1897 وليام ماكينلي.

في حملة ذلك العام، كانت الحزب الديمقراطي متقدماً في استطلاعات الرأي ببرنامج مناهض لكبار الأثرياء، وعلى رأس هؤلاء الأثرياء ثلاث شخصيات؛ ما تزال أسماءهم في عالم المال والاقتصاد السياسي متصدرة حتى اليوم وهم؛ جي بي مورغان، جون روكفلر وأندرو كارنيغي. فكان الصراع الشرس بين الديمقراطية والرأسمالية في ذلك العام بلغ ذروته، وربح الأثرياء الرهان ضد محاولات تقليص ثرواتهم ومساءلتهم عن العوائد والأرباح.

لكن الرأسمالية منذ تبلورها في طبقة أثرياء صانعة للتاريخ في بدايات الثورة الصناعية منتصف القرن الثامن عشر، اتبعت نهجاً توافقياً مع الديمقراطية، بهدف السيطرة على مظاهرها السلبية ضد فاحشي الثراء، وهو ما فعله الثلاثي “مورغان – روكفلر – كارينغي” عام 1897، وما يحاول أن يفعله أيضاً اليوم أباطرة التكنولوجيا بقيادة إيلون ماسك في 2024. 

6 ساعات منتظراً أوباما!

قد يبدو قرار الملياردير الشهير، إيلون ماسك، بدعم ترامب بمثابة تحول مذهل بالنسبة لرجل أعمال تجنب تاريخياً الخوض في السياسات الانتخابية.

يقال إنه انتظر ذات مرة في الطابور لمدة ست ساعات لمصافحة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما. وفي عام 2017، كان من بين أوائل الأعضاء الذين تركوا مجلس الأعمال بالبيت الأبيض، وانفصلوا عن ترامب بشأن سياسات تغير المناخ. وفي عام 2018 وصف نفسه بأنه معتدل سياسياً، أي أقرب للحزب الديمقراطي.

وتصنع شركته، تيسلا، السيارات الكهربائية، التي انتقدها ترامب مراراً وتكراراً باعتبارها باهظة الثمن وغير عملية.

ليس إيلون ماسك وحيداً في هذا التحول. فهناك مجموعة واسعة من الأثرياء ممن كانوا يخشون الإعلان عن تأييدهم ترامب في 2016 و 2020 يعارضون بشدة الحزب الديمقراطي ومرشحته الحالية كامالا هاريس.

ما الذي دفع أشخاصاً داعمين للسياسات الليبرالية بهذا الوضوح إلى هذا الانزياح الكبير من اليسار إلى اليمين؟ من الحزب الديمقراطي إلى الجمهوري؟ من الليبرالية إلى القيم المحافظة؟ من تأييد الحق في الإجهاض إلى حظر الإجهاض؟

الإجابة ليست خفية ولا تتطلب سبراً عميقاً، وتكمن في بيئة الأعمال وحدود نمو الثروات. لكن مع ذلك، يحتاج هذا التحول إلى تفسير، وما هي حدود المصالح في عالم الأعمال والسياسة.

المساءلة الأرباح

كان ماسك يشعر بالغضب منذ فترة طويلة من الرقابة من قبل المنظمين الماليين، وصياغة القوانين الجديدة المقيدة للأعمال والأرباح، والضرائب العالية. وتصاعدت انتقاداته لبايدن قبل عامين، بعد أن لم يتلق دعوة لحضور اجتماع عمل في البيت الأبيض، وهو ازدراء دفعه إلى القول لشبكة CNBC إنه يشعر بالتجاهل بشكل غير عادل.

على وسائل التواصل الاجتماعي، شارك بشكل متزايد في مناقشات أخرى حول عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا، والحرب في أوكرانيا، وسياسة الصين، وقضايا المتحولين.

مقارنة مع انتخابات 2020، يجد دونالد ترامب، الذي جعلته فترة وجوده في منصبه منبوذًا بالنسبة للكثيرين في عالم الأعمال، داعمين جدداً بين قادة التكنولوجيا في 2024. وأصبح ماسك أكبر اسم حتى الآن يلق بثقله خلف الرئيس السابق هذا الشهر، حيث أيده وشارك في جهود جمع التبرعات.

توجت هذه الخطوة أسابيع من الدعم المتزايد من عالم التكنولوجيا، حيث احتشد أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية المؤثرون وقادة التكنولوجيا، بما في ذلك المتبرع الديمقراطي السابق أليسون هيونه، والمستثمرين مارك أندريسن وبن هورويتز وتوأم وينكليفوس، اللاعبون في عالم العملات المشفرة، علنًا حول ترامب.

ترامب.. لعبة بيتكوين؟

بحسب تقرير أعده ناتالي شيرمان، المحلل الاقتصادي في “بي بي سي” الإنجليزية، يجمع الديمقراطيون على أن التحول في عالم التكنولوجيا لصالح الجمهوريين مدفوع بالمصالح الشخصية لأصحاب الثروات، مشيرين إلى أن بايدن اقترح ضرائب جديدة على أصحاب الملايين وطالب بالتشديد على مراجعة مصادر السيولة للشركات الكبرى وملاحقة شركات التكنولوجيا في قضايا مكافحة الاحتكار وغيرها.

يفسر رجل الأعمال مارك كوبان، الذي يدعم الديمقراطيين، أن الانجذاب نحو ترامب كان “لعبة بيتكوين” – وهو رهان على أن قيمة العملة المشفرة يمكن تعزيزها من خلال التضخم المرتفع والفوضى السياسية التي يقول الديمقراطيون إنها ستنتج في ظل إدارة ترامب. رغم ذلك، نال ترامب إشادة مجتمع الأعمال في نهاية فترة رئاسته، من خلال خفض الضرائب، وتكليف المسؤولين المناهضين للعمال بمسؤولية حقوق العمال والابتعاد بشكل عام عن تقييد الأعمال بالتنظيم، وهو ما يصفه المستثمرون بالبيروقراطية المزعجة التي يشتهر بها الديمقراطيون.

ويقول إيفان سوارزتراوبر، مستشار مؤسسة الابتكار الأمريكي البحثية، إن قادة التكنولوجيا، أمثال ماسك، يراهنون على أن ترامب سيكون أكثر تدخلاً لصالح القطاعات التقنية والمالية الجديدة، كالعملات المشفرة والذكاء الاصطناعي.

في كل الأحوال، في الصراع بين الرأسمالية والحزب الديمقراطي عام 1897، لم يكن الأثرياء قد توزعوا بعد على التيارات السياسية.

أما اليوم، فكما أن على جانب الحزب الجمهوري يقف إيلون ماسك وكبار التكنولوجيا في وادي السيليكون والعملات المشفرة، ويظهر أنهم الجانب الأقوى من محركي الرأسمالية الأمريكية، فإن الجانب الآخر، الحزب الديمقراطي يحظى بكتلة هائلة من دعم الرأسمالية المؤسساتية، على رأسهم جورج سوروس ورموز صناعة الترفيه من ديزني إلى هوليوود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى