اللاجئون السوريون في تركيا أمام معضلة المغادرة أو البقاء
منذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في دمشق في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عاد أكثر من 50 ألف سوري إلى بلادهم قادمين من تركيا، التي لا تزال تستضيف نحو 2.9 مليون لاجئ يعرب جزء كبير منهم عن مخاوفه من العودة إلى سوريا.
في ألتنداغ إحدى الضواحي الشمالية الشرقية للعاصمة التركية أنقرة حيث يعيش كثير من السوريين، قالت السورية راضية محرابي وهي أم لـ3 أولاد، بينهم طفل حديث الولادة، إنها لا تفكر في العودة إلى سوريا في الوقت الراهن، معلّلة الأمر بأن “كلّ شيء هناك غير مؤكد”.
وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، فرغم استقرارهم في تركيا، فلا تزال الحياة اليومية صعبة بالنسبة إلى السوريين الذين يتعرّضون للعنصرية والتمييز والعنف في بعض الأحيان، كما يستهدفهم سياسيون بانتظام ويهدّدونهم بالطرد من البلاد.
وفي أغسطس/آب 2021، طالت موجة عنف متاجر ومنازل يسكنها سوريون في ألتنداغ، ويتذكر باسل أحمد -وهو ميكانيكي دراجات نارية يبلغ من العمر 37 عاما- الخوف الذي اعترى طفليه عندما حطّم مهاجمون نوافذ منزله في تلك الأزمة. ومع ذلك، قال إنه لا يفكّر في العودة فورا إلى سوريا.
“لم تعد سوريا نفسها”
يشير الباحث المتخصّص في مجال الهجرة مراد أردوغان إلى أن السبب الرئيس الذي دفع السوريين إلى الفرار من بلدهم كان نظام بشار الأسد، مضيفا “بعد سقوطه، أصبح كثيرون متحمّسين للعودة، لكن سوريا التي غادروها لم تعد نفسها”.
ويوضح أنه “لا أحد يمكنه أن يتوقع كيفية تطور الإدارة السورية الجديدة، لا نعرف كيف سيتم ضمان سلطتها وإلى أي مدى ستذهب إسرائيل أو كيف ستتطور المواجهات قرب الحدود التركية”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن “غياب الأمن يشكل عائقا كبيرا”، على حد قوله.
ويُضاف إلى حالة عدم اليقين هذه، الدمار الذي لحق بالمناطق والبنى التحتية خلال حرب استمرت 13 عاما، بينما يبقى التيار الكهربائي مقطوعا معظم الوقت، ومن الصعب الحصول على الرعاية الصحية.
في مكاتب جمعية التنمية الاجتماعية التي تنظم ورش عمل ومشورات للاجئين، تعرف رهسه مهروز (16 عاما) أنها لن تتمكن من متابعة دروس الموسيقى في حلب بعدما كانت قد بدأتها في أنقرة.
“لا روابط”
وفي حين قرّر والداها العودة إلى حلب، تقول متأسفة “كلّ ذكرياتي وعاداتي موجودة هنا، لا يوجد شيء هناك، لا يوجد تيار كهربائي أو إنترنت حتى، لا أريد أن أغادر، ولكن عائلتي قررت ذلك”.
يوضح مدير الجمعية إبراهيم فورغن كافلاك أن “من بين 2.9 مليون سوري في تركيا، هناك 1.7 مليون شخص دون الـ18”. ويضيف أن “معظم هؤلاء ليست لديهم روابط عاطفية ونفسية واجتماعية مع سوريا”، مشيرا إلى أن “أفكارهم عن سوريا تكوّنت بناء على ما ترويه عائلاتهم”.
من جانبه، يشير مراد أردوغان إلى جانب آخر من المعضلة التي يواجهها السوريون في تركيا في حال قرروا العودة إلى بلادهم، وهي أن “نحو 816 ألف طفل سوري يتلقّون تعليمهم في تركيا باللغة التركية”.
عدم يقين
خلال زيارة الثلاثاء الماضي إلى تركيا في إطار جولة إقليمية، قالت المفوضة الأوروبية المسؤولة عن إدارة الأزمات حجة لحبيب إنها تدرك “حالة عدم اليقين التي يشعر بها اللاجئون”.
وأوضحت لوكالة الصحافة الفرنسية أن “الوضع غير مستقر، إنّه متغيّر، لا أحد يعرف كيف سيتطوّر”، مضيفة “أحضرت مساعدات بقيمة 235 مليون يورو للاجئين السوريين، في سوريا وفي الدول المجاورة بما في ذلك تركيا والأردن، وجئت للقائهم ومعرفة ما يقلقهم وكيفية الاستجابة لذلك”.
من جهة أخرى، يثير احتمال مغادرة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين قلقا في القطاعات التي يعلمون فيها غالبا بأجور زهيدة أو بطريقة غير قانونية، مثل قطاع المنسوجات والبناء.
ولكن مراد أردوغان يشير إلى أن الصدمة التي قد يتعرّض لها الاقتصاد التركي في حال مغادرة أعداد كبيرة من السوريين، قد تؤشر إلى نهاية “استغلال هذه القوى العاملة ذات التكلفة المنخفضة”، الأمر الذي سيكون مفيدا لتركيا. ويقول “لا يمكننا الاستمرار وفق نموذج عمل مبني على الاستغلال”.
وفي الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 بسطت فصائل سورية سيطرتها على العاصمة دمشق بعد مدن أخرى، منهية 61 عاما من نظام حزب البعث الدموي، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.