دمشق تتزين بالأمل.. أضواء عيد الميلاد في الشارع المستقيم
دمشق، سوريا- لا يمر عيد الميلاد هذا العام على دمشق كالسنوات الماضية، بل ثمة تغير كبير يملأ الأجواء ويشعر به سكان العاصمة السورية، ولا سيما مسيحييها.
فعلى الرغم من أن الزينة كانت أكثر بذخا في العام الماضي فإن المزاج الاحتفالي يبدو أفضل من أي وقت مضى بعد مرور أقل من أسبوعين على فرار بشار الأسد وانهيار نظامه، وفقا لكارول الصحاف (28 عاما) القاطنة في جرمانا الواقعة على أطراف العاصمة السورية دمشق.
وعلى امتداد الشارع العريق “المستقيم” الممتد لمسافة لقرابة 1.5 كيلومتر من غرب المدينة القديمة إلى شرقها تتزين المقاهي والمطاعم والمتاجر والمنازل في حي “باب شرقي” -الذي يمتد حتى البوابة الشرقية للمدينة القديمة- بالأضواء وأشجار عيد الميلاد.
وتشهد الأزقة المحيطة بالشارع المستقيم ازدحاما ملحوظا مع نسمات ربيعية تعبق الأجواء، إذ بادر أصحاب المحال التجارية إلى إعادة طلاء واجهاتها وتنظيف رفوفهم من الغبار، ورفعوا علم سوريا الحرة ذا الألوان الأخضر والأبيض والأسود بكل فخر واعتزاز.
وقبل انتشار المسيحية وتبنيها من قبل الإمبراطورية الرومانية في عهد قسطنطين العظيم (306-337 م) شهدت منطقة باب شرقي على أول فصول التبشير المسيحي في دمشق على يد بولس الرسول الذي اضطهد من قبل اليهود، وتمكن لاحقا بمساعدة أتباعه من مغادرة المدينة مختبئا في سلة قش، فعبر وهو داخلها الشارع المستقيم كاملا ثم خرج من باب شرقي إلى أورشليم (القدس) ثم إلى آسيا الصغرى فأوروبا ناشرا المسيحية ومشيّدا الكنائس.
وبعد أن أصبحت المسيحية دينا رسميا للإمبراطورية أشهر مسيحيو منطقة باب شرقي دينهم وكشفوا عن معبدهم الصغير في نهاية القسم الشرقي من الشارع، والذي بات يعرف اليوم باسم “كنيسة المريمية”، إذ كانوا يؤدون فيه صلواتهم في فترة الاضطهاد، ويرجع تاريخ بناء الكنيسة إلى 36-37 م، وهي الأقدم بين كنائس دمشق، ولا تزال قائمة إلى اليوم.
الابتهاج بالنصر يضيء أجواء عيد الميلاد
في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري وعقب فرار الأسد عمّت البلاد موجة من الفرح والابتهاج استمرت لأيام عدة، إذ احتفى السوريون بسقوط حكم آل الأسد وانتهاء عهد القمع الذي دام أكثر من نصف قرن.
ومع خفوت صدى تلك الاحتفالات أفادت أولغا المعطي للجزيرة بأن الأنظار اتجهت صوب الاستعدادات لعيد الميلاد ورأس السنة الميلادية، فضلا عن عيد الميلاد الأرثوذكسي.
وصرحت أولغا البالغة من العمر 29 عاما أثناء انهماكها في إعداد أدوات تزيين الكعك بالغرفة الخلفية لمخبزها الذي يحمل اسمها:
“أتوقع أن تعود الاحتفالات إلى كامل حيويتها في الأيام المقبلة، فبعد 14 عاما من الحرب آمل أن يحمل لنا العام المقبل السلام والحب وفرصة العيش بكرامة”
وعلى مسافة 4 دقائق سيرا على الأقدام من متجر أولغا وعبر الشارع المستقيم تتلألأ الأضواء البهيجة في شارع باب توما الذي اكتسب اسمه من إحدى البوابات العتيقة التي كانت قائمة في أسوار المدينة القديمة.
وكان أكوب سافاريان ذو الـ72 عاما مأخوذا بجمال الأضواء خلال تجوله في الحي برفقة صديقين له، وقد بدا مبتهجا وهو يرتدي ملابس دافئة تقيه برودة الليل.
وأوضح أكوب أنه وجيرانه زينوا منازلهم والشارع الذي يقطنونه كعادتهم السنوية، لكن هذا العام حمل معه دعاء خاصا، وأضاف مبتسما:
“أتمنى أن يسود السلام في سوريا والعالم في العام المقبل”
دمشق.. بين التغيير والأمل
وبينما تتجول الصحاف بين أكشاك الحرف اليدوية الصغيرة في مقهى القشلة في البلدة القديمة قالت “نحن قلقون بعض الشيء بشأن المرحلة المقبلة”.
ورغم ذلك فإن كارول لم تخفِ سعادتها البالغة بكل التغييرات التي حدثت في سوريا.
وأعادت التأكيد على قولها “أنا متأكدة من أننا كسوريين من جميع الخلفيات نستطيع أن نثبت للعالم أننا شعب يحب السلام”.
وأشارت كارول إلى أن “المشاهد المروعة التي شهدناها في سجون الأسد جعلتنا نكون في حالة حداد حقيقي تضامنا مع عائلات المعتقلين الذين قتلوا في السجون ومع عائلات المفقودين الذين لا يزال مصيرهم مجهولا”.
بدوره، أعرب رواد ديوب البالغ من العمر 42 عاما وينحدر من مدينة صافيتا بالقرب من طرطوس عن شعوره بسعادة بالغة، قائلا “إلى جانب احتفالات عيد الميلاد أرى ابتسامات على وجوه الناس لم أرها من قبل، وأنا شخصيا سعيد للغاية وأشعر بالتفاؤل الداخلي تجاه المستقبل”.
ويقول مؤرخون إن دمشق أقدم عاصمة مسورة مأهولة على مر التاريخ، ويعود بعض المؤرخين بتاريخها إلى ما قبل الألف السابع قبل الميلاد.