مقالات

كونفدرالية دول الساحل بأفريقيا.. تحديات العزلة وآمال الاستقطاب

بالتزامن مع اكتمال مغادرة القوات الأميركية للقاعدة 101 في النيجر، انعقدت في العاصمة نيامي القمة الأولى لتحالف دول الساحل الذي يضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر لبحث مصير التحالف وأهدافه.

ووقّعت الدول الثلاث التي يقودها الجيش معاهدة “اتحاد كونفدرالي”، مما يؤكد تصميمها على رسم مسار مشترك خارج المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التي تحثها على العودة إلى الحكم الديمقراطي.

وعلى وتر السيادة، والاستقلال السياسي ولاقتصادي، صاغ قادة التحالف خطاباتهم التي تجاوزت تبرير الانقلابات إلى محاولة تغيير الخارطة الجيوسياسية وموازين التأثير والنفوذ في منطقة تشهد صراعا محموما من قبل اللاعبين الدوليين في ساحات الحروب والاقتصاد.

الاتحاد الكونفدرالي يؤكد تصميم الدول الثلاث على رسم مسار مشترك خارج مجموعة إيكواس (الفرنسية)

دلالات التوقيت

وكانت هذه الدول قد أعلنت في 16 سبتمبر/أيلول 2023 تحالفها للوقوف في وجه تهديدات المنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكري في النيجر وقتها.

ورغم أن تحالف دول الساحل تم إنشاؤه بعد التوقيع على ميثاق “ليبتاغو غورما” في باماكو، وصدرت عنه قرارات مشتركة، فإن قادته لم يجلسوا قبل قمة السادس من يوليو/تموز الجاري على طاولة مشتركة.

وقد جاء توقيت القمة الأولى بالتزامن مع اكتمال مغادرة القوات الأميركية من عاصمة النيجر، على أن تبدأ المرحلة الأخرى من إنهاء قاعدة أغاديس للطيران المسير، وهي المناسبة التي استغلها النقيب القائد العسكري في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري ليقول إن وقت التحرر قد حان ولم يعد بإمكان أحد أن يتدخل في مصير الشعوب.

كما جاء توقيت القمة قبل يوم واحد من اجتماع “إيكواس” التي انعقدت ظهر أمس الأحد في العاصمة النيجيرية أبوجا وكان مبرمجا فيها مناقشة العلاقة مع تحالف الدول المنسحبة، لكن الأخيرة استبقت التوقيت واجتمعت لتؤكد أنها ماضية في تكريس الانقسام داخل المنظومة الاقتصادية.

خارطة تجمع دول الساحل الافريقي الثلاث النيجر ومالي وبوركينا فاسو
(الجزيرة)

لا عودة لإيكواس

وفي مستهل قمة نيامي قال القائد العسكري للنيجر الجنرال عبد الرحمن تياني -أمام نظيريه في بوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري، وفي مالي العقيد أسيمي غويتا– إن شعوب دولهم الثلاث قررت أن تدير ظهرها لإيكواس بشكل لا رجعة فيه، وإن اتحاد دول الساحل هو كيان بديل لأي مجموعة إقليمية مصطنعة تسيطر عليها قوة أجنبية.

واعتبر تياني أن المنظمة التي تأسست منذ ما يناهز 50 عاما أصبحت تعمل على تهديد بلدانهم.

وكانت الدول الثلاث قد أرسلت في 29 يناير/كانون الثاني الماضي إشعارا للمنظمة بانسحابها النهائي من كل الهياكل التي تتبع للمنظمة.

ويقول قادة الدول المنسحبة إن الكتلة الاقتصادية التي تأسست من أجل أن تكون فضاء تكامليا لدول غرب أفريقيا قد حادت عن القيم والمثل العليا التي وضعها الآباء وأصبحت أداة لخدمة فرنسا وأجنداتها في المنطقة.

وكان الرئيس السنغالي المنتخب باسيرو ديو ماي فاي قد زار مالي وبوركينا فاسو في مايو/أيار الماضي وبحث مع قادتهما سبل الرجوع للمنظمة وفتح حوار يناقش الأخطاء التي وقعت من طرف الجمع، حسب تعبيره، لكنه قال إن المواقف تبدو صلبة وثابتة، في إشارة إلى الرفض الذي قوبل به من طرف العقيد غويتا والنقيب تراوري.

وكما لم تجد مساعي رئيس السنغال آذانا صاغية فإن توصية الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي بشأن ضرورة التحالف مجددا بين دول غرب أفريقيا لم تؤخذ بعين الاعتبار.

أزمة الانقلابات

وتعود الأزمة بين تحالف دول الساحل وإيكواس إلى أزمات الانقلابات التي عرفتها مالي عام 2020 وبوركينا فاسو 2022 والنيجر سنة 2023، حيث عرفت كل واحدة من هذه الدول عقوبات اقتصادية فيما تم التهديد بالتدخل العسكري ضد الانقلابيين في نيامي.

وفي حديث سابق للجزيرة نت، قال الكاتب والمحلل السياسي الحسين ولد حمود إن تحالف العسكر في منطقة الساحل جاء نتيجة للعقوبات الاقتصادية، وإن خروجها من إيكواس يأتي في سياق سياسي وإقليمي يتميز بالقرب من روسيا والصين، ويبتعد عن فرنسا وأوروبا ككل.

وسبق لهذه الدول أن قررت الخروج من تحالف دول الساحل الخمس الذي تأسس عام 2014 في نواكشوط برعاية فرنسية وأوروبية لمحاربة الإرهاب في الساحل الأفريقي.

كونفدرالية الساحل الجديدة تواجه تحديات متعددة تقف عائقا أمام صمودها في كيان مستقل (الفرنسية)

كونفدرالية ثلاثية

وفي خطوة متوقعة، خرجت قمة السادس من يوليو/تموز الجاري بالتوقيع على إعطاء تحالف دول الساحل صفة كونفدرالية التي تقتضي العمل على توحيد السياسة الخارجية والدفاعية والدخول في عملة نقدية مشتركة.

وقد خرجت القمة بمجموعة من القرارات أهمها:

  • الارتقاء بتحالف دول الساحل إلى صفة كيان كونفدرالي.
  • وتعيين العقيد غويتا رئيسا له مدة سنة واحدة.
  • إعادة تأسيس الدول الثلاث على قيم تحترم الخصوصية التاريخية والثقافية والاجتماعية لشعوب المنطقة.
  • التنسيق الدبلوماسي وتوحيد المواقف في الساحات الدولية. العمل على مكافحة الإرهاب الذي يضرب المنطقة بشدة.
  • المساهمة في تحقيق السلام والأمن على المستوى الدولي. إنشاء برلمان مشترك لاقتراح القوانين والاتفاقيات التي تهم مصالح الدول الثلاث.

وقد نص ميثاق ليبتاغو غورما على أن الاتحاد مفتوح أمام عضوية الدول التي تشترك مع المجموعة في أهداف التحرر الاقتصادي والاستقلال السياسي.

ومنذ فترة تنادي هذه الدول بضرورة الخروج من العملة الأفريقية الموحدة التي ترتبط بالبنك المركزي في فرنسا.

تحديات الإرهاب

وتواجه كونفدرالية الساحل الجديدة تحديات متعددة تقف عائقا أمام صمودها في كيان مستقل.

ومن أبرز هذه التحديات موجة الإرهاب والعنف والتمرد الذي تزايد في السنوات الثلاث الأخيرة، وخاصة بعد خروج القوات الفرنسية والأممية من المنطقة.

ووفقا لمؤشر الإرهاب العالمي في عام 2023، فإن الفترة الممتدة بين عامي 2007-2023 زاد فيها معدل ضحايا الإرهاب بمنطقة الصحراء والساحل بنسبة 2000%.

وحسب المؤشر ذاته، فإن بوركينا فاسو تحتل المرتبة الثانية على المستوى العالمي، إذ تقع بعد أفغانستان مباشرة، بينما احتلت مالي المرتبة الثالثة عالميا، كما جاءت النيجر في الدول العشر الأولى الأكثر تضررا من الإرهاب.

وفي مارس/آذار الماضي أعلنت دول الكونفدرالية الجديدة عن تأسيس قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب والتحديات المشتركة.

ورغم استعانة الدول المذكورة بمجموعة فاغنر وقوة الفيلق الأفريقي التي أعلنت عنه روسيا مطلع العام الجاري، فإن المنطقة تزداد سوءا بسبب العنف المسلح وحركات التمرد والانفصال.

وحسب معلومات نشرها مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها (منظمة مراقبة مقرها الولايات المتحدة) فإن العنف وصل إلى مستويات مرتفعة في منطقة الساحل خلال سنة 2023، كما ارتفعت نسبة القتلى في المنطقة ذاتها بنسبة 38% مقارنة بعام 2022.

وحسب بيانات المنظمة المذكورة، فإن بوركينا فاسو في العام الماضي قتل فيها ما لا يقل عن 8 آلاف شخص.

أما مالي فإنها تشهد معارك طاحنة بين الحكومة والجماعات الإرهابية من جهة، وبين الحكومة ومسلحي أزواد في جبهات أخرى.

وخلال العام الجاري توقع برنامج الغذاء العالمي أن يصل عدد المشردين واللاجئين الذين يفرون من الشمال المالي نحو موريتانيا إلى 250 ألف نسمة بسبب العنف المسلح.

علاقات إقليمية متوترة

وبينما تبني دول الساحل صداقات توصف بالوثيقة مع روسيا والصين وتركيا وإيران، فإن علاقاتها الإقليمية لا تخلوا من توتر وتأزيم مع بعض دول الجوار.

فقد دخلت العلاقة بين النيجر وجاراتها بنين في أزمة حادة، مما أدى إلى توقيف تصدير النفط النيجري عبر ميناء كوتونو في دولة بنين.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2023 توتّرت العلاقة بين باماكو والجزائر لدرجة استدعاء السفراء، بسبب خروج مالي من اتفاق السلام الذي رعته الجزائر عام 2015 ووضع حدا للحرب بين مجتمع أزواد والجيش المالي.

وخلال العام الجاري تأزمت العلاقة بين باماكو ونواكشوط بسبب تباين وجهات النظر في كيفية محاربة المسلحين على الحدود المشتركة، ورغم تبادل الزيارات بين الوزراء والقيادات الأمنية في البلدين فإن مظاهر الجفاء لا تزال قائمة وخاصة بعد تسجيل دخول مجموعة من قوات فاغنر والجيش المالي لإحدى مناطق الحدود المشتركة غير المرسمة، وهو الأمر الذي جعل نواكشوط تقوم باستعراض عسكري في ذات المنطقة وتكشف عن قاعدة للطيران المسير قرب الحدود المالية.

مستقبل التحالف

وتبدو دول الساحل الثلاث مصممة على المضي قدما نحو الاندماج والتكامل الاقتصادي، فمنذ إعلان ليبتاغو غورما في سبتمبر/أيلول 2023 ومؤشرات التعاون واضحة خاصة في الموقف من باريس المستعمرة السابقة، وكذا التوجه نحو روسيا التي تنشر العديد من قوات فاغنر في مالي، كما كشفت صحيفة لوموند الفرنسية عن إرسالها قوة جديدة إلى بوركينا فاسو تعرف بـ”لواء الدب”.

وتتفق الدول الثلاث في نظرتها لبعض المنظمات الإقليمية التي صنفتها من أدوات الجهات أجنبية، ولم تكن نتيجة لإرادة ذاتية مثل إيكواس ومجموعة دول الساحل الخمس.

ويرى مراقبون أن استقطاب هذا التحالف لأعضاء جدد قد لا يكون أمرا بعيدا إذا وقع انقلاب عسكري في إحدى الدول المجاورة.

لكن الكيان الوليد تهدده صعوبات داخلية تتمثل في تفاقم الأوضاع الأمنية والمعيشية، وأخرى خارجية كالمشاكل مع دول الإقليم والشركاء الخارجيين السابقين مثل فرنسا وأوروبا والولايات المتحدة.

وتشير دراسة نشرها مركز الجزيرة للدراسات إلى أن هذا التحالف قد لا يستمر إذا دفعت الظروف والأوضاع المزرية بقوى انقلابية أخرى لها مطامع في السلطة، ووصلت إلى سدة الحكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى