كيف تواجه دمشق الضغوط الدولية والتحديات الداخلية؟ محللان يجيبان
لم تمض الكثير من الأيام على إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، حتى بدأت عواصم إقليمية ودولية تتسابق على فتح قنوات تواصل مع حكام دمشق الجدد.
وكانت الخطوة الأولى أوروبيا من باريس، حيث أعلنت الحكومة الفرنسية نيتها إرسال وفد دبلوماسي إلى سوريا لتقييم الوضع السياسي والأمني، ما يعكس أهمية استباق الأحداث ورسم معالم العلاقة مع النظام الجديد.
الاتحاد الأوروبي بدوره لم يتأخر، إذ أكدت مسؤولة السياسة الخارجية كايا كالاس تكليف الاتحاد أبرز دبلوماسييه بزيارة دمشق والاجتماع مع القيادة الجديدة، والتي أوضحت أن نتائج هذا الاجتماع ستحدد شكل ومستوى العلاقة المستقبلية مع النظام السوري.
في المقابل، برزت مطالب القيادة السورية الجديدة على الساحة الدولية، حيث دعت إلى إزالة تصنيف الإرهاب عن بعض الفصائل وإلغاء العقوبات المفروضة على البلاد.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع دعوته الحكومات مثل الولايات المتحدة إلى إزالة تصنيف الإرهاب عن هيئة تحرير الشام، ورفع العقوبات المفروضة على الحكومة السابقة التي قال إنها “كانت مفروضة على الجلاد الذي رحل الآن”.
هذا التسابق الذي يتضمن وضع محددات وتوصيات لمستقبل الأوضاع بسوريا، يرى الدكتور المنصف المرزوقي الرئيس التونسي السابق أنه يأتي في إطار استمرار معركة الربيع العربي، حيث لا تزال القوى التي سعت لإجهاض ثوراته متمسكة بموقفها الرافض لأي تغيير ديمقراطي، حسب تقديره.
ويؤكد المرزوقي خلال مشاركته في برنامج “مسار الأحداث” أن هذه القوى تعتبر الربيع العربي تهديدا لأنظمة الاستبداد، ومن هذا المنطلق، يتوقع أن تواجه الثورة السورية محاولات احتواء محدودة أو سيناريوهات تدمير قاسية، مما يتطلب استعدادا لمعارك شرسة وطويلة الأمد.
ومن ثم، يرى المرزوقي أن التوازن بين الواقعية السياسية ورفض الوصاية الخارجية يبدأ بتحصين الجبهة الداخلية، مشددا على أنه لا يمكن لأي نظام مستقبلي أن يؤثر إيجابا إذا استمرت هشاشة الأوضاع الداخلية.
ويشير إلى أن الأطراف الخارجية، باستثناء قطر وتركيا اللتين أبدتا مواقف إيجابية، ليست لديها مصلحة في وجود دولة ديمقراطية مستقلة في سوريا، لذلك يرى أن الوحدة الوطنية والعمل على استقرار الأوضاع الداخلية هما الأساس لمواجهة أي ضغوط خارجية.
تحصين الجبهة الداخلية
ويتابع المرزوقي بأن تحصين الجبهة الداخلية يتطلب خطوات عملية وسريعة، مثل إقامة مرحلة انتقالية قصيرة، ووضع دستور جديد يشمل كافة مكونات المجتمع، وتشكيل حكومة وطنية متماسكة.
ويؤكد أنه إذا تمكن السوريون من تجاوز خلافاتهم خلال 3 أشهر فقط وتحقيق توافق على دستور جديد، ستتمكن الدولة من مواجهة الضغوط الخارجية من موقع قوة، مدعومة بشرعية شعبية ووحدة داخلية، أما في حال الفشل، فستكون الثورة عرضة للنهش من قبل جميع الأطراف.
ويحذر المرزوقي من التساهل مع فلول النظام السابق أو مع التنظيمات الجهادية والمتطرفة التي قد تهدد التجربة الديمقراطية، ويرى أن الخط الفاصل يجب أن يكون واضحا بين الديمقراطيين والاستبداديين، مشددًا على أن العدو الحقيقي هو الاستبداد، بغض النظر عن مصدره.
بدوره، يرى الدكتور زياد ماجد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في باريس أن التحديات التي تواجه القيادة الجديدة في سوريا ضخمة للغاية، بالنظر إلى عقود الاستبداد والتوحش والدمار الذي لحق بالبلاد.
وأوضح أن هذه التحديات تتراوح بين التحول الديمقراطي ومتطلباته الداخلية، وبين المعطيات الإقليمية والدولية التي ستشكل إطارًا جديدًا للتعامل مع الأوضاع السورية، في ظل استمرار حرب الإبادة في غزة وتعقيدات النظام الدولي.
واتفق ماجد مع المرزوقي على أهمية التماسك الداخلي في مواجهة هذه التحديات، موضحًا أن وضع القيادة السورية الجديدة لشروط مضادة أمام القوى الدولية سيكون خطوة إيجابية، شرط أن تكون مدعومة بوحدة وطنية وتماسك داخلي يضمنان القدرة على المناورة وفرض إرادة الشعب السوري.
ويرى ماجد أن القيادة السورية الجديدة ستحتاج بطبيعة الحال إلى إعادة بناء خطوط التواصل مع المجتمع الدولي بسبب الحاجة الماسة لإعادة الإعمار ورفع العقوبات الدولية عن البلاد.
ازدواجية المعايير الدولية
وأكد أن استعادة الشرعية الدولية ستكون هدفًا رئيسيًا لأي سلطة جديدة، رغم إدراك ازدواجية المعايير الدولية، موضحًا أن بعض الدول الأوروبية، التي بدأت الآن بالتواصل مع القوى السياسية السورية الجديدة، كانت قبل ذلك تسعى للتطبيع مع نظام الأسد.
ويرى ماجد أن تحرك أوروبا السريع للتواصل مع القيادة السورية الجديدة أمر متوقع، خاصة بسبب القرب الجغرافي وملفات الأمن واللاجئين، بجانب الرغبة في الحفاظ على موقعها في المفاوضات الإقليمية والدولية.
وأشار إلى أن هناك سباقا غربيا مع اقتراب وصول دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، مما قد يدفع الأوروبيين لتعزيز حضورهم في الملف السوري، مع التركيز على تقليص دور كل من روسيا وإيران.
وأضاف أن التحولات المقبلة قد لا تكون بالشكل الذي يطمح إليه من يتطلعون إلى تحول ديمقراطي حقيقي في المنطقة، إذ يعكس ذلك طبيعة موازين القوى الدولية. ومع ذلك، يعتقد ماجد أن سوريا قد تكون أمام فرصة جديدة لطي صفحة الماضي والانطلاق في مسار جديد، رغم تعقيداته وتحدياته الداخلية والخارجية.
وتناول ماجد في حديثه موضوع الضغوط الدولية المتعلقة بقضايا الأمن والجهاديين الأوروبيين الموجودين في سوريا، إضافة إلى الاستثمار وإعادة الإعمار، حيث تسعى الدول الغربية إلى فرض شروط على القيادة الجديدة مقابل رفع العقوبات وتقديم المساعدات.
ويرى ماجد أن التحديات الداخلية لا تقل أهمية، حيث تشمل المسألة الكردية، والطائفية، وملف العدالة الانتقالية، وما يتعلق بالمناطق المهمشة التي عانت من الإهمال لعقود، مشيرا إلى أن النظام السابق زرع ألغاما عديدة، بما في ذلك في الملفات الطائفية والتنموية، مما يتطلب مقاربة دقيقة لتفادي هذه العقبات في المرحلة الانتقالية.