مقالات

6 نقاط تشرح علاقة صندوق النقد والديون الخارجية بأزمة كينيا

بعد أسابيع من بدء الاحتجاجات، يواصل الكينيون تصميمهم على الخروج للتعبير عن إحباطهم من الحكومة التي سعت لزيادة الضرائب وهو ما تسبب في ارتفاع تكاليف المعيشة لملايين المواطنين.

لكن عندما خرج المتظاهرون إلى الشوارع أول مرة في يونيو/حزيران الماضي للاحتجاج ضد الزيادات الضريبية المقترحة، لم يكن الرئيس وليام روتو وأعضاء البرلمان وحدهم من تعرض لانتقادات شديدة.

ففي الاحتجاجات التي تحولت فيما بعد إلى أحداث دموية، تم رفع لافتات تدين صندوق النقد والبنك الدوليين، المتهمين بالتسبب في الأزمة. وكُتب على إحدى اللافتات: “صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أوقفوا العبودية الحديثة”.

وفي جميع أنحاء العاصمة نيروبي، ظهرت كتابات على الجدران تدين المنظمات، حتى مع استمرار المتظاهرين في المطالبة باستقالة روتو.

 في هذا التقرير نرصد 6 نقاط تشرح علاقة صندوق النقد والديون الخارجية بأزمة كينيا:

1- ما دور صندوق النقد في الأزمة، وماذا طلبت كينيا؟ وماذا فعل الصندوق؟

لسنوات عديدة، يتمتع المقرضون متعددو الأطراف، وخاصة صندوق النقد الدولي، بسمعة سيئة في البلدان الأفريقية بسبب شروطهم القاسية على البلدان اليائسة التي يقول النقاد إنها كانت دائما غير متناسبة لأن المتضرر منها كان الفقراء.

كما انتقد الزعماء الأفارقة، بمن فيهم روتو، المقرضين الدوليين بسبب ما قالوا إنها أسعار فائدة مرتفعة بشكل غير متناسب مقارنة بالدول النامية الأخرى.

في كينيا، هذا الغضب جديد لأن الزيادات الضريبية التي تم سحبها الآن من قبل الرئيس وكذلك التشريعات المماثلة التي تم إقرارها عام 2023 مرتبطة بقروض صندوق النقد الدولي، حيث تترنح الحكومة تحت وطأة أزمة ديون ثقيلة.

وقالت دوميبي أولوولي، الخبيرة الاقتصادية في شركة ستيرز لتحليل البيانات، لقناة الجزيرة إنه رغم أن بعض الشكاوى ضد صندوق النقد الدولي صحيحة، إلا أن الزعماء الأفارقة هم المسؤولون في كثير من الأحيان.

وأضافت أن أسعار الفائدة المرتفعة غالبا ما تكون بسبب سجلات التخلف عن السداد، وتابع أن الشروط الصارمة التي فرضها المقرضون مثل صندوق النقد الدولي تم تطبيقها أيضا على الدول المتعثرة في أماكن أخرى، مثل اليونان، التي مرت بأزمة اقتصادية عام 2009 وتم إنقاذها جزئيا من قبل المقرضين، لكن الزعماء الأفارقة يعتمدون غالبا على خيارات تضر الأغلبية.

واستطردت: “الزعماء الأفارقة هم الخونة. كلنا نعلم أن قروض صندوق النقد الدولي تأتي بشروط، ولكن بعض الزعماء، عندما يُطلب منهم زيادة الإيرادات، يختارون فرض الضرائب بدلا من خفض التكاليف. ثم يلقون اللوم على صندوق النقد”.

2- ما وضع الديون في كينيا؟

عندما تولى روتو منصبه في أغسطس/آب 2022، كانت كينيا تعاني بالفعل من أزمة. وبلغ دينها الخارجي نحو 62 مليار دولار، أو 67% من ناتجها المحلي الإجمالي.

وكان الرئيس السابق أوهورو كينياتا قد اقترض بكثافة من المقرضين التجاريين ودول مثل الصين لتمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة، بما في ذلك خط السكك الحديدية الذي يربط نيروبي بمدينة مومباسا الساحلية، بالإضافة إلى 11 ألف كيلومتر من الطرق المعبدة.

وكانت معظم هذه القروض تجارية، وهو ما يعني أنها كانت ذات أسعار فائدة مرتفعة. وفي الوقت نفسه، فشلت البنية التحتية في توليد الإيرادات المتوقعة.

كما استمرت الضغوط التضخمية الناجمة عن كوفيد-19، ويضاف إلى ذلك اضطرابات سلسلة التوريد في الزراعة في كينيا.

وكل هذه الأمور مجتمعة كانت تعني أن الغذاء وتكاليف المعيشة العامة سترتفع عام 2022، وكذلك ديون كينيا مع تراكم الفوائد.

وفي الوقت الحالي، تصل ديون كينيا إلى 82 مليار دولار، منها حوالي 8 مليارات دولار مستحقة للصين.

ومن بين الدائنين الآخرين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والولايات المتحدة والسعودية. ويشمل الدين أيضا الاقتراض المحلي. ويذهب أكثر من نصف إيرادات الحكومة إلى سداد الديون.

3- متى ظهر صندوق النقد في الصورة؟

في أبريل/نيسان 2021، أبرمت كينيا في عهد كينياتا ونائب الرئيس آنذاك روتو اتفاقية إنقاذ مع صندوق النقد الدولي. وجاء ذلك في شكل برنامج مدته 38 شهرا قال الصندوق إنه سيساعد نيروبي على إدارة ديونها وخلق بيئة اقتصادية مواتية لاستثمارات القطاع الخاص المطلوبة.

وبموجب هذه البرامج، من المقرر أن تحصل كينيا على تمويل بقيمة 3.9 مليارات دولار. كما تمت الموافقة على صندوق منفصل للمناخ بقيمة 542 مليون دولار.

وجعل صندوق النقد الدولي القروض مشروطة بزيادة الضرائب وخفض الدعم وخفض الهدر الحكومي، وهي إجراءات قال إنها ستزيد الإيرادات الحكومية مع خفض الإنفاق.

وبدأت هذه الإجراءات العام الماضي، وجعل روتو منذ عام 2022 برنامج صندوق النقد الدولي أولوية. وتستند المدفوعات إلى مراجعات دورية لقياس مدى نجاح الحكومة في تنفيذ بعض الإصلاحات. وقد كشفت المراجعة الأخيرة في يناير/كانون الثاني عن 941 مليون دولار.

4- ما إصلاحات صندوق النقد التي نفذتها كينيا؟

بعد توليه منصبه، علق روتو الدعم على الوقود والأسمدة كجزء من البرنامج.  لكن أعيد دعم الوقود عام 2023 بعد اندلاع الاحتجاجات.

كما حظي مشروع قانون المالية 2023 بدعم صندوق النقد الدولي.

وفرض مشروع القانون، الذي تم إقراره في يونيو/حزيران 2023، ضريبة إسكان بنسبة 2.5% على العاملين ورفع ضريبة القيمة المضافة على الوقود من 8% إلى 16%.

وخرج المتظاهرون إلى الشوارع للاحتجاج على مشروع القانون العام الماضي، رغم أن نسبة المشاركة لم تكن عالية مثل احتجاجات يونيو/حزيران الماضي.

وحظي مشروع قانون المالية 2024 الذي تم سحبه الآن مع زيادات الضرائب بدعم من صندوق النقد. وكان من المقرر أن يدر البرنامج 2.7 مليار دولار.

وقال محللون إن كينيا لا تزال بحاجة إلى سد هذه الفجوة لتحقيق بعض الأهداف في إطار برنامج الصندوق الذي ساعدت قروضه البلاد على تجنب التخلف عن سداد سندات دولية بقيمة ملياري دولار تستحق في يونيو/حزيران الماضي.

5- كيف رد صندوق النقد على الاحتجاجات؟

تراجع روتو عن الزيادات الضريبية المقترحة في 27 يونيو/حزيران الماضي، بعد يوم واحد من تحول الاحتجاجات إلى أعمال عنف. وفتحت الشرطة النار على المتظاهرين الذين اخترقوا الحواجز لدخول مبنى البرلمان، وهو ما دفع النواب إلى الفرار.

وقال روتو إنه لن يوقع على مشروع القانون ليصبح قانونا وإن حكومته ستستمع إلى الشعب.

ومع انزلاق البلاد إلى الفوضى، قال صندوق النقد الدولي إنه يراقب الوضع. وقالت مديرة الاتصالات في الصندوق جولي كوزاك: “إن هدفنا الرئيسي في دعم كينيا هو مساعدتها في التغلب على التحديات الاقتصادية الصعبة التي تواجهها وتحسين آفاقها الاقتصادية ورفاهية شعبها”.

وبحسب وكالة رويترز، تحدث روتو مع رئيسة الصندوق كريستالينا جورجيفا في الأيام التي أعقبت الاحتجاجات رغم أنه ليس من الواضح ما الذي ناقشاه.

وقالت مصادر دبلوماسية للوكالة إن هناك اتفاقا بين المانحين الرئيسيين على أن صندوق النقد يحتاج إلى إظهار المرونة بشأن الأهداف الخاصة بكينيا.

وتم تحديد مراجعة أخرى هذا الشهر. وفي المراجعة التي أجريت في يناير/كانون الثاني، قال صندوق النقد إن السلطات الكينية حققت تقدما في الإصلاحات لكنها كانت بطيئة في تحصيل الضرائب.

6- ماذا بعد؟

وتوقع محللون أن يطلب صندوق النقد من كينيا تقديم خطة إيرادات جديدة. وأعلن روتو الجمعة عن إجراءات تقشفية جديدة من المتوقع أن تسد الفجوة الناجمة عن سحب مشروع قانون الضرائب.

وقال الرئيس الكيني إن حكومته ستوفر الأموال اللازمة عن طريق خفض 177 مليار شلن (1.39 مليار دولار) من الميزانية للسنة المالية التي بدأت في يوليو/تموز الحالي واقتراض حوالي 169 مليار شلن (1.31 مليار دولار).

وأضاف أنه سيتم حل 47 شركة حكومية، وخفض عدد المستشارين الحكوميين إلى النصف، وتعليق السفر غير الضروري للموظفين العموميين، وإلغاء ميزانيات زوجات الرئيس ونائبه.

وتابع روتو: “أعتقد أن هذه التغييرات ستضع بلادنا على مسار نحو التحول الاقتصادي”.

وانخفضت معنويات المستثمرين مع تصاعد الاحتجاجات خلال الأسابيع الأخيرة، وانخفض الشلن الكيني بنسبة 0.29% مقابل الدولار.

لكن إذا واصلت الحكومة تنفيذ تخفيضات الإنفاق هذه، فمن المرجح أن تنتعش العملة مرة أخرى في الأسابيع المقبلة، حسبما قالت الخبيرة الاقتصادية أولوولي.

وقالت: “إنهم الآن يفعلون كل ما كان من المفترض أن يفعلوه من قبل. عندما يمنحك صندوق النقد الدولي شروطا، فإنك لا تحتاج إلى نقل الجزء الأكبر منها إلى الناس وأنت تعرف الوضع في بلدك”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى