أبرز الفاعلين في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة
كان للوساطات الدولية، برعاية قطرية ومصرية وأميركية، دور محوري في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يوم 15 يناير/كانون الثاني 2025 بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل التي شنت عدوانا عنيفا على قطاع غزة منذ إطلاق المقاومة الإسلامية عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتضافرت جهود أطراف عدة لإنجاح المفاوضات التي استمرت أشهرا، وسط تصاعد الضغوط الإنسانية والسياسية. وبرزت في هذا السياق عدد من الشخصيات التي أدت أدوارا فاعلة في محاولة تقريب وجهات النظر، من بينها رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
كما شاركت في الوساطة شخصيات دولية، مثل مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز، ومنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، إضافة إلى ستيفن ويتكوف، الذي عينه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مبعوثا شخصيا له إلى الشرق الأوسط، واللواء أحمد عبد الخالق نائب رئيس الاستخبارات المصرية.
أما الوفد الفلسطيني فبرز منه مسؤول ملف التفاوض في حركة حماس خليل الحية، ومن الوفد الإسرائيلي رئيس جهاز الموساد ديفيد برنيع، ورئيس الشاباك رونين بار.
الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني
مسؤول قطري تقلد مناصب عدة بينها إدارة عدد من المؤسسات والشركات، كما شغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون التعاون الدولي، ثم وزيرا للخارجية في يناير/كانون الثاني 2016، ثم عُيّن رئيسا للوزراء في مارس/آذار 2023، مع احتفاظه بحقيبة وزارة الخارجية.
وُلد الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني بالعاصمة القطرية الدوحة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1980. حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد وإدارة الأعمال من جامعة قطر عام 2003.
وفي عام 2010، عين سكرتيرا للممثل الشخصي لسمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لشؤون المتابعة في الديوان الأميري، وفي العام 2013 شغل منصب مساعد الوزير لشؤون التعاون الدولي بوزارة الخارجية.
دخلت قطر في أثناء توليه حقيبة وزارة الخارجية في عدد من الملفات التفاوضية التي أسفرت عن التوصل إلى حلول ناجعة، لا سيما الأزمة في أفغانستان والتوصل إلى اتفاق بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأميركية، فضلا عن الدخول في ملفات التفاوض في السودان وتشاد والملف النووي الإيراني وغيرها من القضايا الشائكة.
قاد الوساطة القطرية في مفاوضات التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وأسفرت جهوده هو وفريقه وباقي أطراف الوساطة إلى الإعلان عن التوصل إلى اتفاق يوم 15 يناير/كانون الثاني 2025.
خليل الحية
سياسي فلسطيني، قيادي وعضو بالمكتب السياسي لحركة حماس ونائب رئيسها، ولد عام 1960، حصل على درجة الدكتوراه في السنة وعلوم الحديث.
انخرط في الحركة الإسلامية مع مؤسس حركة حماس الشهيد الشيخ أحمد ياسين، وخاض غمار العمل الشعبي والمقاومة والعمل السياسي.
بصفته مسؤول ملف التفاوض في حركة حماس، قاد وفدها في مباحثات شاقة من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة عقب العدوان الذي شنته إسرائيل على القطاع بعد عملية طوفان الأقصى.
تولى خليل الحية مسؤوليات متعددة داخل الحركة، منها عضوية مكتبها السياسي، ونائب رئيس الحركة بغزة، ورئيس مكتب الحركة للعلاقات العربية والإسلامية.
حضر بقوة ضمن وفد حركة حماس في المفاوضات بالعاصمة المصرية القاهرة بعد الحرب على غزة عامي 2012 و2014، إذ كان يومها رئيس المكتب الإعلامي للحركة، وتعززت مكانته داخل الحركة وبات رئيس مكتبها للعلاقات العربية والإسلامية.
ديفيد برنيع
عسكري ورجل استخبارات إسرائيلي، وُلد في عسقلان عام 1965 لعائلة تعود أصولها إلى يهود ألمانيا الفارين من الحكم النازي، وكان والده جنديا في قوات النخبة في الهاغاناه ثم أصبح ضابطا في سلاح الجو الإسرائيلي.
التحق ديفيد برنيع بالجيش الإسرائيلي في سن مبكرة وغادره لدراسة إدارة الأعمال، ثم عاد من بوابة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد).
تولى نحو عقد من الزمن قيادة فرق تابعة للموساد بالخارج وأشرف على تنفيذ مهام معقدة، وتدرج في الجهاز الاستخباراتي حتى أصبح رئيسه الـ13 ابتداء من يونيو/حزيران 2021 خلفا ليوسي كوهين.
بعد عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على مستوطنات غلاف غزة، والعدوان الإسرائيلي على القطاع غزة، كُلف برنيع بقيادة وفد التفاوض لعقد هدنة وصفقة تبادل مع فصائل المقاومة.
رونين بار
ضابط استخبارات وُلد عام 1965، انضم إلى الجيش الإسرائيلي عام 1984، ثم أصبح عام 1993 ضابطا في وحدة العمليات التابعة لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، تدرج في المناصب حتى عُين رئيسا للجهاز في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
يجيد رونين بار -وهو ابن الكيميائي أبراهام بيريزوفسكي- اللغتين العربية والإنجليزية إضافة إلى لغته الأم العبرية. وبدأ مسيرته العسكرية عام 1984 مقاتلا في وحدة سييرت متكال.
بعد انتهاء خدمته العسكرية، انضم إلى جهاز الشاباك عام 1993، وأصبح ضابطا في وحدة العمليات التي أهّلت تقدمه بشكل سريع في مناصب مختلفة داخل الجهاز.
في عام 2018، عُين نائبا لرئيس الشاباك، الأمر الذي عزز مكانته وأصبح أحد أبرز قادة الأمن في إسرائيل، وذلك قبل أن يصل إلى منصب رئيس الشاباك في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
بعد أسابيع من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إثر عملية طوفان الأقصى، بدأ رونين بار والوفد الإسرائيلي مفاوضات ماراثونية غير مباشرة مع حركة حماس بوساطة قطرية ومصرية وأميركية للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
وليام بيرنز
دبلوماسي وسياسي أميركي وُلد عام 1956 في ولاية كارولينا الشمالية، ونشأ وسط عائلة عسكرية. بدأ مسيرته الدبلوماسية عام 1982 وتقلد عددا من المناصب الرفيعة، أبرزها منصب نائب وزير الخارجية الأميركي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وتقاعد بعدها عن العمل الدبلوماسي متوِّجا مسيرة امتدت 33 عاما.
ترأس وليام بيرنز مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، قبل أن يعينه الرئيس الأميركي جو بايدن عام 2021 مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه).
يتحدث بيرنز -الذي كان والده وليام فرانسيس بيرنز ضابطا في الجيش الأميركي برتبة لواء- اللغات الروسية والعربية والفرنسية، إلى جانب الإنجليزية لغته الأم.
في أكتوبر/تشرين الأول 2014 تقاعد وليام بيرنز عن العمل الدبلوماسي بعد مسيرة استمرت 33 عاما، ويوم 18 مارس/آذار 2021 صادق مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع على اقتراح بايدن بتعيين بيرنز مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
وقد أجرى بيرنز مشاورات في ملفات عدة، مثل المحادثات النووية مع إيران وصفقات تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، وملف العلاقات مع ليبيا والحرب الروسية على أوكرانيا.
تولى مع الوفد الأميركي الوساطة -بجانب قطر ومصر- في ملف المفاوضات بين إسرائيل وحماس، والتي انتهت بإعلان اتفاق وقف إطلاق النار يوم 15 يناير/كانون الثاني 2025.
بريت ماكغورك
سياسي أميركي وُلد يوم 20 أبريل/نيسان 1973، لوالدين معلمين، ونشأ في ولاية كونيتيكت. حصل على بكالوريوس في العلوم السياسية وشهادة في الحقوق.
عمل كاتبا قانونيا في المحكمة العليا الأميركية، ومحكمة الاستئناف للدائرة الثانية، والمحكمة الجزئية، قبل أن يبدأ العمل مع وزارة الخارجية الأميركية كبيرا للمفاوضين ومنسقا في المحادثات الثنائية مع الحكومة العراقية بشأن اتفاق حول وجود القوات الأميركية في العراق.
كما خدم مستشارا قانونيا للسلطة المؤقتة للتحالف في العراق، ثم مستشارا للسفير الأميركي في بغداد. وعمل أيضا مساعدا خاصا للرئيس ومديرا لشؤون العراق وأفغانستان.
وفي إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، عمل ماكغورك مستشارا في مكتب الشؤون الشرقية، ثم نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون العراق وإيران في المكتب ذاته.
وبين عامي 2014 و2015، شغل منصب نائب المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف العالمي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ثم أصبح مبعوثا خاصا للتحالف حتى أواخر عام 2018.
ويوم 12 يناير/كانون الثاني 2021، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن تعيينه منسقا لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقد شارك ماكغورك في مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة ما بين عامي 2023 و2025 بصفته كبير المفاوضين الأميركيين، والتي انتهت بإعلان في 15 يناير/كانون الثاني 2025 عن اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وإعادة إعمار القطاع.
ستيف ويتكوف
مستثمر عقاري، وُلد عام 1957 في مدينة نيويورك لأسرة يهودية من الطبقة العاملة. بدأ العمل محاميا في العقارات، وسرعان ما نما شغفه بالمجال، فتنقل بين الشركات العقارية حتى أسس مجموعة تحمل اسمه عام 1997.
درس ويتكوف في مدرسة “ستايفيسنت” الثانوية، إحدى المدارس المرموقة في نيويورك، ثم التحق بجامعة “هوفسترا”، وحصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية عام 1980، ثم نال عام 1983 شهادة في القانون من الجامعة نفسها.
ارتبط بعلاقة وثيقة مع ترامب ودعم سياساته في الشرق الأوسط في أثناء فترة ولايته الأولى من 2016 إلى 2020، وحشد له الدعم في انتخابات عام 2024.
وبعد فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية 2024، أعلن في نوفمبر/تشرين الثاني من السنة نفسها تعيين ستيفن ويتكوف مبعوثا خاصا إلى الشرق الأوسط، وانضم بعدها إلى المفاوضات التي كانت جارية للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
وأشادت وسائل إعلام أميركية وعالمية بما سمته “الدور المحوري” الذي اضطلع به في تلك المفاوضات. ونقلت مجلة نيوزويك الأميركية عن مسؤولين عربيين -لم تكشف هويتهما- قولهما إن ويتكوف “فعل في اجتماعه الوحيد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدفعه نحو التوصل إلى اتفاق أكثر مما فعله بايدن طوال العام”.
وبدورها، قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن ويتكوف “أجبر نتنياهو على قبول خطة وقف الحرب التي كان يرفضها مرارا وتكرارا”، وإنه حضر إلى إسرائيل بعد ظهر السبت، وهو يوم عطلة اليهود الأسبوعية، و”أوضح لمساعدي نتنياهو بلغة إنجليزية حادة أن يوم السبت لا يهمه”.
أحمد عبد الخالق
لواء في المخابرات العامة المصرية، وأحد الضباط المكلفين بالقضية الفلسطينية، شارك في مفاوضات عدة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وكذا في جولات عدة للحوار الداخلي الفلسطيني.
عمل مستشارا في السفارة المصرية في غزة وكذلك ضابط الاتصال المصري في القطاع، وكون علاقات قوية مع الأطراف الفلسطينية، فصائل وسلطة.
وكان عبد الخالق عضوا في الوفد الأمني المصري المشارك في المفاوضات بشأن الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، كما كان له دور بارز في “صفقة الأحرار”، التي بادلت بها حماس الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط بأكثر من ألف أسير فلسطيني عام 2011.
عينه رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل في يوليو/تموز 2018 مسؤولا عن الملف الفلسطيني في الجهاز بديلا عن اللواء سامح نبيل، ثم أصبح فيما بعد النائب الأول لرئيس المخابرات المصرية.
وبعد أشهر من توليه الملف الفلسطيني، زار غزة في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 وحضر جنازة لمقاتلين من كتائب القسام استشهدوا في اشتباكات مع جيش الاحتلال، والتقى رئيسها آنذاك في قطاع غزة يحيى السنوار وقادة آخرين في حماس، وزار غزة بعدها مرات عدة.
في عام 2020، قاد مفاوضات غير مباشرة بين حماس وإسرائيل لعقد صفقة تبادل، لكنها فشلت.
اتهمته وسائل إعلام أميركية بالسعي لإفشال مفاوضات التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد طوفان الأقصى، وقالت إنه أعطى وفدي حماس وإسرائيل نسختين مختلفتين من مشروع الاتفاق، وهو ما نفته وسائل إعلام مصرية ومسؤولون مصريون.