ثقافة وفنون

“هند تحت الحصار”.. رحلة سينمائية إلى قلب الصمود الفلسطيني

على مدى 20 دقيقة، يروي فيلم “هند تحت الحصار” قصة وطنية إنسانية مستوحاة من واقع مأساوي، حيث يعرض مأساة الطفلة الغزية “هند رجب” التي استُشهدت برصاص الاحتلال الصهيوني، بعد استشهاد عائلة خالها بشار حمادة في 29 يناير/كانون الثاني 2024. ورغم استغاثتها المتكررة بالهلال الأحمر الفلسطيني ورجال الدفاع المدني، لم تجد منقذا في ظل العدوان الإسرائيلي على مدينة غزة، التي تجسد بصمود أهلها ومقاومتها رمزا للتحدي أمام آلة الحرب الإسرائيلية.

الفيلم من إنتاج وتأليف الفنانة الملتزمة عايدة الأمريكاني، بالتعاون مع “فجرنا للأفلام”، وبمشاركة إنتاجية من شركة “غوانا للإنتاج التليفزيوني”، وبدعم من الهيئة الملكية للأفلام. كما ساهم المهندس خليل الأمريكاني في إنتاج العمل، الذي أخرجه ناجي سلامة.

4 مواقع أردنية

تم تصوير مشاهد فيلم “هند تحت الحصار” في 4 مواقع أردنية تم اختيارها بعناية لتكون قريبة من موقع استشهاد الطفلة الغزية “هند” بعد محاصرتها بالدبابات الإسرائيلية. وشملت هذه المواقع منطقة الجيزة جنوب عمّان، التي عُرفت بأهل العزم، ومعهد الإعلام الأردني الذي جُسد فيه دور مكاتب الهلال الأحمر الفلسطيني، وتحديدا غرفة العمليات في رام الله التي كانت تتلقى مكالمات الاستغاثة وتحولها إلى غزة.

كما استخدم منزل قديم في حي اللويبدة وسط العاصمة عمّان لتجسيد منزل الطفلة “هند”، حيث صُورت فيه مشاهد القصف والهروب قبل الحادثة، عقب إلقاء الطائرات الإسرائيلية منشورات بإخلاء الموقع. إضافة إلى ذلك، تم تصميم مواقع تماثل المشهد الواقعي من حيث وجود الدبابات ومحطة مشتقات بترولية، بإشراف فريق مكون من 24 فنيا بقيادة المخرج المبدع ناجي سلامة.

المخرج ناجي سلامة وبطلة الفيلم إلينا عسكر (الجزيرة)

تميز الفيلم بأداء بطولته الطفلة إيلينا عسكر (6 سنوات)، التي قدمت شخصية “هند رجب” بإبداع يقترب من تجسيد المشاعر الحقيقية. كما شارك عمر علقم، منسق الاتصال وأحد أعضاء طاقم الهلال الأحمر الفلسطيني في رام الله، في مواقع التصوير، مما أضفى دقة وموضوعية عالية على المشاهد. وعلقم، الذي كان شاهد عيان ومشاركا في المكالمة الأولى مع ابنة خال الشهيدة، ليان حمادة، قدّم ملاحظاته المهمة، وساهمت الطفلة آية البرغوثي (14 عاما) في أداء دور ليان ببراعة واقعية.

ولإبراز المصداقية الفنية، تم استخدام هاتف مطابق للهاتف الذي كانت تستخدمه الشهيدة “هند رجب” وفرق الهلال الأحمر. وقد انهار عمر علقم بالبكاء أثناء تصوير مشهد اغتيال الطفلة، حيث أظهرت إيلينا عسكر أداء صادقا ومؤثرا، وهي تغطيها الدماء في مشهد بدا أكثر من مجرد تمثيل، ليتحول إلى لوحة تحكي الحقيقة بكل تفاصيلها.

الفيلم درامي يحمل بعدا وطنيا

أوضحت الفنانة عايدة الأمريكاني أن فريق العمل حرص خلال فترة الإعداد على التشاور المستمر مع مسؤولة العمليات في الهلال الأحمر الفلسطيني، رنا الفقيه، ومسؤولة الإعلام، نبال فرسخ، لضمان مصداقية الفيلم، لا سيما في تصوير اللحظات الأخيرة لاستشهاد العائلة. وقالت الأمريكاني: “عملنا على إبراز التفاصيل الحقيقية، خاصة حين كانت الطفلة تستغيث وتصف موقعها وهي محاصرة بالدبابات: الدبابات تقترب مني.. أسعفوني.. عائلتي استشهدت وبقيت في السيارة وحدي”.

وأضافت الأمريكاني أن الهدف الأساسي من الفيلم، الذي سيُعرض في مهرجانات سينمائية عالمية وفي الولايات المتحدة وأوروبا والوطن العربي، ويتصدر افتتاح مهرجان عمّان السينمائي في يوليو/تموز المقبل، هو إيصال رسالة الشعب الفلسطيني إلى العالم. ويسعى الفيلم لفضح الانتهاكات الصهيونية بحق الأطفال، ولإثارة الرأي العام العالمي لتحمل مسؤولياته تجاه حقوق الإنسان في فلسطين.

وفي تصريح خاص لـ”الجزيرة نت”، وصفت الأمريكاني فيلم هند تحت الحصار بأنه عمل درامي إنساني بأبعاد وطنية، يجسد أبشع صور الإرهاب الصهيوني، حيث يستهدف الأبرياء والأطفال بوحشية متعمدة، في محاولات لقتل الروح الفلسطينية بعد فشله في مواجهة رجال المقاومة. وأكدت أن الفيلم يمثل وثيقة سينمائية قابلة للتقديم أمام المحاكم الدولية، تروي تفاصيل مأساة الطفلة الغزية برؤية درامية متميزة.

ويتناول الفيلم قصة حقيقية عولجت دراميا، مع إضافة مشاهد خيالية بسيطة لتعزيز فكرة الصمود والثبات على الأرض. ويجسد الفيلم معاناة الأطفال تحت القصف والتجويع، ودور طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني في مواجهة آلة الحرب الصهيونية، مشيرا إلى تضحياتهم المستمرة رغم الإمكانيات المحدودة، حيث قدموا شهداء أثناء محاولاتهم لإنقاذ الأرواح تحت القصف الهمجي.

عايدة الأمريكاني إن إستشهدت هند ..هناك هند قادمة الجزيرة
عايدة الأمريكاني: إن استشهدت هند، هناك هند قادمة (الجزيرة)

مشاهد مؤثرة

ومن بين المشاهد المؤثرة التي أوردتها الفنانة عايدة الأمريكاني في حديثها، تسليط الضوء على قصة بطولية لاستشهاد اثنين من أفراد طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني أثناء تأديتهما واجبهما الإنساني. ورغم التنسيق الأمني المسبق مع قوات الاحتلال لضمان وصولهم الآمن، تم استهدافهم بشكل متعمد أثناء محاولتهم إنقاذ الطفلة “هند” وعائلتها، التي ظلت تستغيث لساعات عبر المكالمات، كما ظهر في الفيلم.

كما ذكرت الأمريكاني مشهدا آخر أثّر بشكل عميق في طاقم الإنتاج، حين حاولت مسؤولة الهلال الأحمر الفلسطيني تهدئة الطفلة الشهيدة “هند” بقراءة سورة الفاتحة معها، حيث يجمع المشهد بين الواقع وذكريات الطفلة التي كانت اعتادت تلاوة القرآن مع والدتها، مما أضفى بعدا إنسانيا يمس القلوب.

وفي ردها على سؤال عن توقعاتها، أعربت الأمريكاني عن ثقتها بأن الفيلم سيحظى بتعاطف دولي واسع، نظرا لكشفه الانتهاكات الصهيونية بحق الطفولة، خاصة مع تصاعد التأييد العالمي لحق الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير. وأشارت إلى إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، التي تُظهر أن 15% من الشهداء والمصابين هم من الأطفال والنساء، الذين من المفترض أن توفر لهم القوانين الدولية الحماية في أوقات الحرب.

وفي حديثها لـ”الجزيرة نت”، توقعت الأمريكاني أن يثير فيلم هند تحت الحصار حفيظة الاحتلال الصهيوني، خاصة عند عرضه في الولايات المتحدة والدول الغربية والمهرجانات العالمية. وأكدت أن الاحتلال سيحاول محاربة الفيلم بكل الوسائل غير الأخلاقية لإخفاء جرائمه، إلا أن تواصل جهات غربية مع فريق العمل لطلب عرض الفيلم يُظهر أن التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية في تزايد مستمر.

واختتمت الأمريكاني حديثها بالإشارة إلى نية التواصل مع مؤسسة “هند رجب” في بلجيكا وجهات عالمية أخرى تسعى لإنصاف الطفولة في فلسطين ومعاقبة الاحتلال على جرائمه المستمرة. وأكدت بعزم: “لن نتركهم، والزمن طويل”.

معايشة مشاعر الشخصية بعمق

بصفتها كاتبة سيناريو الفيلم، أوضحت الفنانة عايدة الأمريكاني أنها عايشت تفاصيل القصة بكل أبعادها الإنسانية والوطنية. وقالت “عندما أبدأ كتابة أي عمل فني، لا أتركه إلا عند الانتهاء منه. لكن مشهدا واحدا أخذ مني وقتا وجهدا ذهنيا مرهقا، وهو مشهد وداع الأم لطفلتها عندما غادرت مع عائلة خالها. تخيلت نفسي مكان الشخصية وعشت مشاعرها بكل تفاصيلها”.

وأضافت الأمريكاني “لا أبالغ إذا قلت إنني أثناء كتابة السيناريو كنت غارقة في مشاعر مختلطة، بين الحزن والغضب من ممارسات الاحتلال، وبين الفخر بصمود الشعب الفلسطيني وشجاعته. وشعرت بثورة داخلية وتمرد على هذا الواقع المفروض، وتعاملت مع كل جزئية من الفيلم وكأنها قصيدة غنائية طويلة متعددة المقامات”.

وأشارت إلى أن رسالة العمل الفني تتجسد في النهاية بولادة طفلة جديدة تُسمى أيضا “هند”، بعد استشهاد الطفلة الغزية. وقالت “هذا المشهد يعبر عن استمرارية القضية الفلسطينية من جيل إلى آخر، وأننا شعب يحمل راية قضيته العادلة مهما كانت التضحيات. إن استشهدت هند، فهناك هند قادمة”.

شهادة إنسانية توثق جرائم الاحتلال

في حديث خاص لـ”الجزيرة نت”، وصف مخرج الفيلم ناجي سلامة “هند تحت الحصار” بأنه من أصعب وأشد الأعمال إيلاما التي عمل عليها، نظرا لما تطلبه من جهد كبير لتجسيد التجربة الإنسانية والمشاعر التي مرت بها الطفلة هند. وأكد أن كل لحظة في هذا العمل حملت مسؤولية هائلة لنقل الحقيقة بكل ما تحمله القصة من عمق عاطفي وألم.

وأشار سلامة إلى أنه سعى لتقديم فيلم سينمائي متكامل يخلد قصة “هند” في ذاكرة السينما ويجعلها مرجعا قويا يوثق بشاعة الاحتلال الإسرائيلي. وقال “كان هدفي أن أعكس معاناة الطفلة والظلم الذي تعرضت له، وتصوير واقع الشعوب التي تعيش تحت وطأة الاحتلال بأكبر قدر من الصدق والإحساس”.

ورغم صعوبة المهمة، أضاف سلامة أن العمل مع فريق تمثيل وإنتاج موهوب ومتفانٍ جعل الرحلة أكثر سهولة. وقال: “تفاني الفريق وشغفهم وإصرارهم على تقديم الأفضل أعطاني الثقة للتركيز على أدق التفاصيل. معا، قدمنا فيلما لا يكتفي بسرد القصة، بل يترك بصمة عميقة لدى الجمهور ويثير فيهم مشاعر قوية تبقى في الذاكرة”.

وأكد سلامة أن الفيلم ليس مجرد عمل فني، بل شهادة إنسانية توثق الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الأبرياء، خاصة الأطفال الذين يدفعون الثمن الأكبر في الحروب. وأضاف “حرصت على أن تكون كل لقطة وكل تفصيل جزءا من عمل سينمائي يظل في الذاكرة، ويثير النقاش حول أهمية تحقيق العدالة والإنسانية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى